إعادة صياغة الإعلام في الأحساء: خطوات نحو تواصل فعّال

حظيت مؤخراً بفرصة المشاركة في برنامج تطوير المنظومة الإعلامية في الأحساء والذي أتى برعاية كريمة من سمو محافظ الاحساء الأمير سعود بن طلال بن بدر وهيئة تطوير الأحساء. هذا البرنامج النوعي والذي جاء انعكاسا لمستوى الاهتمام والدعم الذي يوليه سموه للكوادر الإعلامية وحرصه على تطوير قدرات الممارسين والكفاءات الإعلامية في المحافظة.  

كمتخصص في مجال التسويق والتواصل الرقمي، فأنني أُشيد بأجندة البرنامج وإختياراته من المتحدثين لمناقشة أهم قضايا الساعة والممارسات الإعلامية وتعزيز البرنامج لقضية محورية مفادها أن الممارسة الحديثة هي نتاج تداخل مجموعة من العلوم والفنون الحديثة كالتسويق والإعلام وتكنولوجيا المعلومات، ويضاف لذلك علم نفس السلوك الإنساني والذي يساهم في فهم دوافع الجمهور مع التنبؤ بها بشكل أفضل. تشكل رؤية 2030 ومكتسباتها إطار مرجعي نستطيع من خلاله أننا نعيد صناعة ممارساتنا الإعلامية ونكسر كثير من الجمود في المفاهيم التقليدية لأجل الوصول الفعّال للشريحة المستهدفة وتحقيق الأثر المستدام.

كسر الصورة النمطية

بالرغم من تحسّن الممارسات في القطاعات الحكومية والخاصة والغير ربحية، إلا أن الفجوة الاتصالية بجميع أبعادها الخارجية والداخلية وما بين أفراد الفرق الإعلامية أنفسهم لا تزال ملاحظة وموجودة وكذلك من المظاهر المنتشرة هو الحرص على المسميات الوظيفية والشللية في عمل المنظومة مع التمسك بثقافات عمل لا تخدم سرعة المواكبة للمتغيرات الجارية. أن مجرد تنفيذ مبادرات وأنشطة إعلامية بمحتوى أنيق أو الظهور عبر تصاميم الجرافيك وفيديوهات الموشن والأنفوجرافيك الاحترافية لا تعني بمكان نجاح العملية الاتصالية. لا يزال الكثير من عملنا الإعلامي محدود بنقل الخبر لا بصناعته وكذلك بالتعاطي السلبي مع ردات فعل الجمهور أو تجاهلها عبر بيانات صحفية أو ظهور إعلامي مصطنع لا يرتقي لمستوى الوعي لدى الجمهور. يلاحظ كذلك وجود محاولات للمواكبة ولكنها تفتقد لبوصلة التخطيط المسبق وحوكمة العمل والأداء عبر مؤشرات القياس. يرتبط عمل معظم الفرق الإعلامية وكوادرها بشكل مباشر بمسؤولي الصف الأول في الجهات الا أن الملاحظ هو ضعف برامج الدعم والتأهيل والتدريب لتلك الكوادر، وبالتالي يعيق تطورها ويحدّ من إبداعها. يلاحظ أيضاً ضعف التمكين لتلك الكوادر في كثير من الأحيان، بالشكل الذي يؤثر سلباً على جودة العمل الإعلامي ويحول دون تقديمه بالمستوى المواكب للطموح. أنك وبمجرد أن تقوم بالاطلاع على الجهد الإعلامي لكثير من الجهات فأنك تجد أن السياسة الإعلامية هي انعكاس لتوجهات مسؤولها الأول وتفضيلاته الشخصية، أن من المهم أن تكون السياسة الإعلامية في كل جهة مكتوبة ومتفق عليها من جميع أصحاب العلاقة وذات محددات أستراتيجية طويلة المدى تضمن أستمرارية العمل بالرغم من تغير الأشخاص.     

أصنع “يوم” عميلك

في الماضي القريب، طالعتنا المواقع الأخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي أثناء أحدى المناسبات الرياضية لفيديو لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع أحد المشجعين الذي يحاولاً عن بعد ألتقاط صورة بطريقة “سيلفي” مع سموه فأمر حينها بكل عفويه بأحضار الشاب للمنصة والتصوير معه. تلك المشاهد المتكررة لولاة الأمر في تعاملهم وعفويتهم مع مختلف شرائح المجتمع إنما هي رؤية ملهمة لمختلف الجهات والمسؤولين في تعاملها الإعلامي مع الجماهير وتقديم كل ما يتجاوز توقعاتهم. إن مبدأ “أعرف عميلك” هو مفهوم تسويقي يشكّل قاعدة أساسية للتواصل الإعلامي الفعّال مع الجمهور وهو مفتاحك الرئيسي لبناء تصور كامل عن شخصيته واهتماماته وبالتالي قيامك بصنع تجربة شخصية مميزة تقدر عن طريقها أنك تحدث فرق حقيقي في سلوكه وحياته.   

أصنع “جوّك” الإعلامي

لا يختلف اثنان بأن الصناعة الإعلامية قد تغيرت بشكل مربك وأصبحت التحديات غير متوقعة ومتسارعة في أثرها التقني والديموغرافي، وبالتأكيد أن من لا يواكب سيتأخر عن الركب وأصبحت المسؤولية على متخذي القرارات الإعلامية في مختلف الجهات إظهار قدر أكبر من المرونة والتكيف مع التغيير الحاصل عن طريق إعادة هيكلة العمل بما يتناسب مع متطلبات المرحلة وأن الفريق الناجح والشغوف بعمله هو نتيجة ثقافة عمل تجمع أصحاب الخبرة والكفاءات الشابة في جو صحي من التمكين المهني ومشاركة الأفكار والحوار الصريح المفتوح بين أعضاء الفريق وكسر الحواجز التقليدية والتّبني للممارسات الإعلامية الحديثة ومن أهمها الأختبار، ثم التجربة، ثم إعادة التجربة للمحتوى الإعلامي وتقبل الأخطاء والتعلم منها ومرونة التعديل في خططك لمواجهة التحديات واستشراف الحدث قبل وقوعه.   

ختاماً، يأتي برنامج تطوير المنظومة الإعلامية في الأحساء كرسالة ضمنية مفادها ضرورة أن تشهد ساحة الإعلام المحلي الكثير من التغيير والتطوير.

ولكن، لا ينبغي أن نغفل أن رحلة التغيير والتطوير هذه تتطلب تضافر الجهود من كافة الجهات المعنية، بدءًا من متخذي القرار الذين يتحملون مسؤولية إرساء دعائم هذا التطوير، مرورًا بالأجهزة الإعلامية ودورها في تعزيز ثقافة التفاعل الإبداعي مع الجمهور، وتوفير بيئة محفزة للإبداع والابتكار، وتطوير مهارات الكوادر الإعلامية، كلها روافد أساسية لبلورة إعلام الأحساء في قالب عصري مُشرق يُلبي تطلعات المجتمع ويُسهم في تنمية المنطقة.